استراتيجيات إدارة التغيير .. كيف تخرج من عواصف التغيير وأنت أقوى ؟

في العام 1892م أسس جورج إيستمان وهنري كوداك شركة أحدثت ثورة في عالم التصوير الفوتوغرافي وسرعان ما حققت الشركة نجاحات كبيرة. وبحلول عام 1968م استحوذت شركة كوداك على حوالي 80٪ من حصة السوق العالمي في التصوير الفوتوغرافي، أي من بين كل 10 كاميرات تباع آنذاك كانت 8 منها كاميرات كوداك.

كانت كوداك تتبع استراتيجية بيع المنتج بسعر قليل والاعتماد على هاش ربح بيع ملحقات المنتج الاستهلاكية وتعرف باستراتيجية “ماكينة الحلاقة والشفرات”، بيع ماكينات الحلاقة أولاً بهامش ربح قليل ثم سيحتاج العملاء شراء المواد الاستهلاكية الملحقة (شفرات الحلاقة) مرارًا وتكرارًا. وبالتالي، بيع الشفرات بهامش ربح مرتفع. كذلك الحال مع كوداك، كانت تبيع الكاميرات بأسعار معقولة وبهامش ربح ضئيل ثم تبيع المواد الاستهلاكية الملحقة بالكاميرا مثل الأفلام وورق طباعة الصور بسعر مربح، قادت هذه الاستراتيجية شركة كوداك للاستحواذ على سوق التصوير الفوتوغرافي وتحقيق أرباح خيالية.

pexels-esther-2863560
شرارة التغيير

في العام 1975م عرض أحد العاملين في شركة كوداك وهو المهندس ستيفن ساسون على مديره المباشر فكرة قد تكون ثورة جديدة في عالم التصوير الفوتوغرافي وهي عبارة عن كاميرا رقمية يمكن من خلالها التقاط الصور وعرضها مباشرة على شاشة الكترونية دون الحاجة لطباعتها، كان ذلك يعني أن تقوم كوداك بتغيير نموذج عملها والتخلي عن أحد أكبر المصادر المدرة لأرباحها. كان رد رؤساء الشركة للموظف “هذه فكرة رائعة ولكن لا تخبر بها أحد، حينها ستكون أنت كمن يطلق النار على قدميه”.

مع تطور التكنولوجيا بدأ ظهور الكاميرات الرقمية وتدريجياً انخفض الطلب على الأفلام وورق طباعة الصور ظل السؤال هل يمكن أن يكون الاعتماد على النموذج القديم المعتمد على الصور الفوتوغرافية المطبوعة أمر مجدٍ ؟ ظن الرؤساء في شركة كوداك أن نموذج العمل الحالي المربح قد يستمر  وأن الشركة بإمكانها مقاومة موجات التغيير والترويج لفكرة أن الصور المطبوعة لها طابع مختلف لدى الناس، ومع صعود منافسين جدد أبرزهم شركة فوجي فيلم اليابانية وإطلاق الكاميرات الرقمية وتبعتها عدة شركات، بدأت حصة كوداك تتراجع في سوق التصوير الفوتوغرافي.

pexels-little-visuals-1830
الانهيار من القمة إلى القاع

عندما استوعبت كوداك أخيرًا أن قواعد اللعبة قد تغيرت، حاولت اللحاق بالركب وقامت بإنتاج وبيع الكاميرات الرقمية، كان الأوان قد فات. كانت العديد من الشركات الكبرى قد أثبتت وجودها بالفعل في هذا السوق، ولم تستطع كوداك مواكبة التطورات الكبيرة. في سبتمبر من العام 2011م، سجلت أسعار أسهم كوداك أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 0.54 دولار أمريكي للسهم الواحد، وفي العام 2012م أعلنت كوداك إفلاسها.

بعض من الأسباب التي قادت شركة كوداك للانهيار هي: إهمال جانب التطوير والابتكار وعدم فهم احتياجات السوق المتغيرة وتفشي البيروقراطية وتغليب المصالح الشخصية بين القيادات داخل الشركة، حيث ذكرت المصادر أن بعض القيادات والمدراء في شركة كوداك كانوا يخافون أن يقود تغيير نموذج العمل إلى فقدانهم مناصبهم. وكذلك يتبادر إلى الذهن مثال آخر وهي شركة نوكيا وكيف أعلنت افلاسها كذلك بعد سنوات النجاح التي حققتها، وكانت تقريبًا لنفس الأسباب.

التغيير هو الثابت الوحيد .. إما أن يقودنا أو نحن من نقوده
ما هي استراتيجيتك لإدارة التغيير ؟

pexels-jeshootscom-1040157

نجاح شركة أو مؤسسة في نموذج عمل أو منتج ما لا يعني استمراره كذلك للأبد، وكذلك على مستوى الأفراد فالإعتماد على تخصص أو وظيفة محددة ومقاومة التغيير وإهمال تطوير المهارات قد يؤدي بك لأن تجد نفسك يومًا في آخر الركب.
تقدر دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي أنه بالنظر إلى وتيرة التغيير التي يشهدها العالم، سيشغل 65٪ ممن في مرحلة رياض الأطفال وظائف لم توجد بعد. كيف يمكن أن نستعد لهذا التغيير وكيف يمكن أن نستثمره لصالحنا سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول

استراتيجية إدارة التغيير تعني اقتناص الفرص وتجنب التهديدات وتعزيز التناغم بين أفراد المنظومة بحيث يعرف كل فرد أدواره ومسؤولياته والانتقال من منظور الفرد (أنا) إلى منظور الفريق (نحن).

لا يوجد جزء من حياتك كفرد أو منظومتك كمؤسسة بمعزل عن إدارة التغيير، كل جزء يجب أن يتناغم مع التغيير (قيام مدراء كوداك بتغليب مصالحهم الشخصية على مصالح الشركة أدى لتراجع الشركة ونهايتها). ومن أبرز سمات التغيير هي الغموض والمخاطرة العالية، لذلك يواجه من البعض بالمقاومة، فالإنسان يجد صعوبة في تقبل خسارة مكاسب بين يديه مقابل أمر مجهول بالنسبة له.

أنواع التغيير

حين تتأمل كل عملية تغيير غالبًا ما تكون واحدة من ثلاثة أنواع:

التغيير التطويري 
Developmental Change

تحسين عمليات أو إجراءات موضوعة مسبقًا.

التغيير الانتقالي
Transitional Change

الانتقال من المستوى الحالي إلى مستوى جديد مختلف عن السابق.

التغيير التحولي
Transformational Change

يعد هذا النوع الأكبر من حيث الحجم والنطاق، قد لا تكون النتيجة النهائية معروفة. وغالبًا ما تشير إلى خروج دراماتيكي عن الوضع الراهن ويختلف بشكل جذري

Untitled-3-01

كيف ندير عملية التغيير

توجد عدة منهجيات تساعد الأفراد والمنظمات على إدارة عملية التغيير، ومن أشهرها:

 

انشأ عالم النفس الأمريكي كورت ليفين هذا النموذج ويهتم بتهيئة البيئة الممكنة للتغيير، فنجاح أي مشروع تغيير يعتمد بصورة أساسية على بنية تنظيمية وإدارية مرنة ومتكاملة تساعد في تسريع العمل وتقليل البيروقراطية والإجراءات المعقدة التي تقلل من الأداء. ويشبِّه ليفين رحلة تغيير نموذج العمل أو تنفيذ مشروع جديد مثل إعادة تشكيل كتلة من الجليد. يتكون النموذج من ثلاث مراحل وهي:

1. تذويب كتلة الجليد (Unfreeze): لإعادة تشكيل كتلة الجليد تحتاج إلى إذابتها أولاً. وبالمثل، تحتاج إلى التخلص من الأفكار والسياسات القديمة لإتاحة المجال لتطبيق السياسات الجديدة التي يتطلبها تنفيذ مشروع التغيير.

2. اجراء التغيير إو إعادة التشكيل (Change): ابدأ في تنفيذ التغيير المطلوب. اتبع أفضل السياسات والمنهجيات التي تساعدك في نجاح مشروع التغيير. أعد تشكيل الهيكل التنظيمي بما يساهم في انسيابية سير العمل وزيادة الانتاجية وإدارة المهام. وغيرها من متطلبات التغيير

3. إعادة التجميد (Freeze)بعد إنشاء نموذج العمل الجديد واعتماده، يجب الحرص على تطبيقه بفعالية ومراجعته باستمرار خلال رحلة التغيير.

 

يركز نموذج أدكار على تعزيز الانسجام بين أعضاء الفريق والتزامهم بمشروع التغيير (في العائلة أو في الشركة أو في الحياة الشخصية أو غيرها من المستويات التي تطبق فيها مشاريع التغيير) بالطرق التالية:

1. نشر الوعي بضرورة التغيير (Awareness): من خلال اجراء اللقاءات واصدار التقارير ومشاركة الخطط والأهداف. ويجب تجنب المحاولات الأحادية لفرض التغيير بالإجبار مما قد يؤدي لنتائج عكسية. قد لا يعترض الأفراد صراحةً على اجراءات التغيير، لكنه يتضح ذلك سمن أسلوب أعمالهم ومحاولات تعطيل أو تأخير المهام وغيره من صور المقاومة.

2. الرغبة في المشاركة ودعم التغيير (Desire): من المهام تعزيز الرغبة العميقة والاهتمام لدى أفراد الفريق بالمشاركة في مشروع التغيير، بإشراكهم في التخطيط ووضع الأهداف واستشارتهم من خلال التحفيز والمنافسة وتقديم الدعم والتشجيع ليشعر كل فرد بأنه أهم عنصر في نجاح التغيير، حينها سيكون عنصرًا فاعلاً في عملية التغيير.

3. معرفة كيفية تنفيذ التغيير (Knowledge): لكل تحدي وتغيير هناك متطلبات معرفية ومهارية وخبرات جديدة يحتاج فريق العمل لاكتسابها لإنجاز المهام وتحقيق التغيير.

 4. القدرة على تنفيذ التغيير (Ability): إكسابهم المهارات اللازمة للعمل في بيئة العمل الجديدة ومع النموذج الجديد وتمكينهم من تنفيذ المستهدفات وتفويض الصلاحيات وتوفير الأدوات المطلوبة.

 5. الحفاظ على مكتسبات التغيير(Reinforcement): يجب أن تكون منظومة العمل والإنجاز مستدامة والحفاظ على المكتسبات المحققة والتطلع لما بعد التغيير وكيف يمكن أن تستمر الكفاءة والإنتاجية.

 

قدم البروفيسور في جامعة هارفارد جون كوتر هذا النموذج الذي يتكون من ثماني خطوات ويركز على تهيئة الأفراد والبيئة لتطبيق مشروع التغيير:

 1. اشعار الفريق بأهمية وضرورة التغيير.

 2. صياغة استراتيجية للتغيير (الرؤية والخطة والأهداف)

3. بناء فريق عمل مؤهل لإدارة التغيير

 4. تفعيل التواصل المستمر بين أفراد الفريق

 5. تمكين الفريق من أداء المهام وتذليل العقبات

 6. تقسيم الأهداف الكبيرة لأهداف قصيرة المدى

 7. الحفاظ على مكتسبات التغيير

 8. الصبر والمثابرة وعدم الاستسلام

 

صمم مستشاري الأعمال روبرت إتش ووترمان جونيور وتوم بيترز هذا النموذج لإلقاء نظرة شاملة على سبعة عوامل تؤثر على التغيير:

1. الاستراتيجية (Strategy): أهم سبب لنجاح رحلة التغيير هو وجود استراتيجية للتغيير (رؤية ورسالة وأهداف ومؤشرات قياس…الخ).

2. الهيكل التنظيمي (Structure): انشاء هيكل يتناسب مع استراتيجية التغيير، لتجنب الإزدواجية أو العجز في بعض الوظائف.

3. الأنظمة (Systems): توفير الأدوات اللازمة لتنفيذ المهام في عملية إدارة التغيير.

4. القيم المشتركة  (Shared values): مشاركة القيم والأهداف مع الموظفين لتحفيزهم.

5. أسلوب العمل (Style): بناء اجراءات العمل بما يتناسب مع أهداف التغيير.

6. فريق العمل (Staff): بناء الفريق الذي سيتولى قيادة التغيير.

7. المهارات (Skills): تزويد الفريق بالمهارات المناسبة اللازمة لتنفيذ أهداف التغيير.

 

 

يصف نموذج كوبلر روس مراحل تقبل الأفراد لعملية التغيير من ناحية سيكولوجية (نفسية) ويساعد صناع القرار على فهم هذه المراحل  والتعامل معها بشكل أفضل.

1. الانكار (Denial): من الطبيعي أن يواجه التغيير في البداية بالإنكار وعدم التقبل.

2. الغضب (Anger): يتحول الإنكار إلى غضب عندما يدركون أن عملية التغيير مستمرة.

3.المساومة(Bargaining): في هذه المرحلة تكون المحاولة بإبطاء أو تشتيت عملية التغيير وإيجاد المبررات.

4. اليأس والاكتئاب (Depression): عندما تفشل كل جهود المقاومة لمنع التغيير، يصاب الأفراد المعترضون باليأس. وتبدأ مظاهر المقاومة الخفية ومن ذلك ضعف في الالتزام وانخفاض الطاقة والحماس وكثرة التأخير والأعذار.

5. القبول والتسليم (Acceptance): سيدرك الأفراد في النهاية أن التغيير وجد ليبقى وأنه من مصلحتهم التكيف معه. في هذه المرحلة، سيبدأون تدريجياً في الاستعداد للانخراط والمشاركة في عملية التغيير.

 

 

يُقارن نموذج بريدج أحيانًا بنموذج كوبلر-روس السابق. ويركز على كيفية تقبل الناس وتكيفهم مع التغيير بثلاث مراحل:

1. مرحلة الإعراض والرفض

2. مرحلة الشك والارتباك

3. مرحلة القبول والتسليم

 

pexels-felix-mittermeier-957312

أبرز تحديات عملية إدارة التغيير

طريق التغيير ليس مفروشًا بالورود وكما توجد قصص نجاح في التغيير، هناك الكثير من قصص الفشل، نستعرض هنا أبرز التحديات حتى يتمكن قادة وأبطال التغيير من تجنبها:

إدارة الفرق المتعددة

التداخلات مع مجالات أو جهات أخرى 

انقطاع التواصل بين أعضاء الفريق

مقاومة الموظفين

سرعة الحصول على الموافقات والاعتمادات

خروج الموظفين ذوي الكفاءة أو المناصب الحساسة

انخفاض الإنتاجية

البيروقراطية والحواجز بين الإدارة والموظفين 

pexels-pixabay-260024

أركان عملية إدارة التغيير

هناك تسعة أركان أساسية لعملية التغيير يجب مراعاتها باستمرار في جميع مراحل التغيير، يجب إدارتها بطريقة متوازنة ومتناغمة حيث أن التقصير في أحد العناصر قد يؤثر على سير العناصر الأخرى.

1. النطاق (Scope): يجب تحديد نطاق عملية التغيير ومدى تأثيرها على المشروع أو المنظمة.

2. الجدول الزمني (Time): يجب تحديد جدول زمني لعملية التغيير بناء على الأهداف والمتطلبات.

3. التكلفة (Cost): يجب تحديد تكلفة عملية التغيير ومدى تأثيرها على التكلفة الإجمالية أو الميزانية السنوية.

4. الجودة (Quality):  يجب تحديد معايير ومتطلبات الجودة لعملية التغيير ومدى تأثيرها على جودة المشروع أو المنظمة.

5. القوى العاملة (Human Resources): يجب تقييم احتياج عملية التغيير من الكادر البشري لتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى عمالة إضافية أو متخصصة.

6. التواصل (Communications): يجب تحديد وسيلة اتصال مناسبة للمشروع وذلك لإشعار أو التواصل مع أصحاب المصلحة المناسبين في الوقت المناسب، وإحاطتهم بأي تحديث بإستمرار.

7. المخاطر (Risks): يجب تحديد أبرز مخاطر التغيير ووضع التدابير لتلافيها أو تقليل أضرارها. حتى لو كانت طفيفة كالمخاطر اللوجستية أو المالية أو الأمنية.

8. العقود والمشتريات (Purchases): يجب تحديد متطلبات التغيير من العقود والمشتريات ومدى تأثيرها على عقود المشروع أو المنظمة.

9. أصحاب المصلحة (Stakeholders): يجب تحديد أصحاب المصلحة في عملية التغيير (عاملين، شركاء، موردين..الخ) ومعرفة نطاق صلاحيات كل فرد منهم. يمكن الاستعانة بمصفوفة إدارة أصحاب المصلحة (high-power, high-interest)

حان دورك .. لتصنع قصة نجاحك

كن على استعداد تام للتغيير ولا تنتظره حتى يطرق أبوابك .. بعض لحظات التغيير تأتي خاطفة وسريعة .. ولن يغتنمها إلا من استعد لها
تمنياتي لك برحلة تغيير ممتعة ومثمرة بإذن الله

خلال الأيام القادمة سيتم إضافة دليل أبطال التغيير pdf يضم ملخص عملي لهذه المعلومات وسيضاف هنا إن شاء الله .. بالإضافة لنسخة صوتية للتدوينة

المراجع

1. 23 . 4567

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.